اول احتيباس حرارى

"علي" مزارع بنجالي بالغ من العمر 65 عاما، لم يقد سيارة طيلة حياته، ولم يشغل في حياته مكيفًا للهواء، ولم يقم بأي شيء يسبب تدميرًا في الغطاء النباتي أو في رفع درجة حرارة الكوكب، ورغم ذلك فهو على وشك أن يكون لاجئا بسبب ظروف الطقس.

اضطر "علي" أن يهدم منزله المصنوع من شجر البامبو خمس مرات خلال الأعوام العشر الماضية، فرارًا من المياه الفائضة لنهر جامونا الكبير التي تنتج عن المطر الغزير والعواصف الشديدة وذوبان الجليد في مرتفعات الهمالايا.

والآن.. ذهبت آخر بقعة أرض له، ولكن "علي" يتمسك الآن بقطعة ثمينة وغالية تمتلكها الحكومة على ضفة النهر؛ فهي الأرض الوحيدة المتاحة، خاصة أن النهر سيفيض، وقد اقتربت بداية موسم العواصف الماطرة في مايو.

بنجلاديش الأكثر تضررا

بنجلاديش، حيث 140 مليون شخص يملئون منطقة أصغر من مدينة إيلينوي بأمريكا، تعد واحدة من أكثر الأماكن في العالم المعرضة لمشاكل تغيير المناخ. برغم أنها لم تتسبب في التلوث الحاصل في العالم، وليس لها يد في ظاهرة الاحتباس الحراري.

وعلى الشاطئ الجنوبي لبنجلاديش يزداد انجراف التربة مع زيادة ذوبان الجليد والمطر الكثيف تسبب في خسارة نصف جزر بهولا التي كانت ذات يوم تغطي عشرين ضعفا من حجم شيكاغو.

وتقدر خسارة الأراضي بفعل انجراف التربة بنحو 77% من أرض بنجلاديش. وفي الشمال الغربي الجاف من البلاد تزداد نسبة الخسارة، وإذا ارتفع مستوى البحر بنسبة ثلاثة أقدام في نهاية القرن، كما يتنبأ بعض العلماء، فسيختفي خُمس البلاد.

وقال مسئولون: إن بنجلاديش أنفقت نحو 500 مليار تكا (8.43 مليارات دولار) في جهود لوقف تآكل ضفاف الأنهار خلال العقود الثلاثة الماضية، إلا أن النتائج لم تكن مُرضية. لكن الحكومة ترعى برنامجا لوقف تآكل ضفتي نهر جامونا وأنهار أخرى سعيا منها لإبطاء معدل التآكل. ويقوم عمال بإلقاء كتل صخرية وخرسانية وأكياس رمل في المياه لتعزيز وتقوية ضفاف الأنهار.

ويقول المهندس "محمد شمس العلم تالوكادر" الذي يشرف على هيئة تطوير المياه في بنجلاديش في سارياكاندي: "إن هذه مهمة لا تنتهي، وخاصة عندما تنحسر مياه الفيضانات؛ إذ إن المنطقة المحيطة بالنهر تكون ضعيفة ومعرضة للانهيار".

وتأتي جهود تقوية ضفاف أنهار بنجلاديش في إطار مشروع للتحكم في الفيضانات يتكلف 1.3 مليار تكا (22 مليون دولار). ويضيف المهندس: "إن المشروع يهدف إلى وقف تآكل 217 كيلومترا من ضفاف عدة أنهار منها جامونا".

ويعترف مسئول آخر أن هيئة تطوير المياه في بنجلاديش تضع خِططًا في كل عام، إلا أن النجاح يكون محدودا.

سيناريو غير مبشر

حكومة بنجلاديش تفعل ما بوسعها للتحضير للأوقات العصيبة القادمة، وبمساعدة المنظمات غير الربحية، تختبر مواد جديدة مقاومة للملح، وتبني آلاف الملاجئ للحماية من العواصف المدارية، وتحاول زيادة الطرق والجسور والحفاظ على خطوط الاتصال عالية فوق النهر الآخذ في الارتفاع.

والقادة الذين أصروا ذات يوم على أن الغرب هو من خلق المشكلة ولا بد أن يصلح ما أفسد، يقولون الآن على لسان نيشات مستشار التغيرات المناخية: "لا بد أن نقبل أنه ينبغي علينا أن نعد أنفسنا للمشاكل القادمة".

والبديل، يمكن أن يكون بشعًا: الطعام القليل الذي لا يكفي، الحكومة الضعيفة، الصراع الداخلي الذي قد يعيد الصراع على حدود البلاد، زيادة عدد المهاجرين والمتطرفين.

ويقول نيشات: "فالشخص الضحية، لن يقف مكتوف اليدين سيكون هناك جماعات منظمة لمواجهة تغير المناخ، فلماذا تبقى أنت آمنا في مكانك وبيتك، في حين فقدت أنا مكاني وأنت من سببت لي ذلك؟". ويضيف نيشات "وهذا ليس بالسيناريو الذي يسر أو يبشر بخير".